
معجزة القرآن الخالدة
إِنَّ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ انْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِ أَعْصَارِهِمْ، فَلَمْ يُشَاهِدْهَا إِلَّا مَنْ حَضَرَهَا، وَمُعْجِزَةُ الْقُرْآنِ مُسْتَمِرَّةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَخَرْقُهُ لِلْعَادَةِ فِي أُسْلُوبِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَإِخْبَارِهِ بِالْمَغِيبَاتِ، فَلَا يَمُرُّ عَصْرٌ مِنَ الْأَعْصَارِ إِلَّا وَيَظْهَرُ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ أَنَّهُ سَيَكُونُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ، وَهَذَا أَقْوَى الْمُحْتَمَلَاتِ وَتَكْمِيلُهُ فِي الَّذِي بَعْدَهُ، وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُعْجِزَاتِ الْمَاضِيَةَ كَانَتْ حِسِّيَّةً تُشَاهَدُ بِالْأَبْصَارِ كَنَاقَةِ صَالِحٍ وَعَصَا مُوسَى، وَمُعْجِزَةُ الْقُرْآنِ تُشَاهَدُ بِالْبَصِيرَةِ، فَيَكُونُ مَنْ يَتْبَعُهُ لِأَجْلِهَا أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُشَاهَدُ بِعَيْنِ الرَّأْسِ يَنْقَرِضُ بِانْقِرَاضِ مُشَاهِدِهِ، وَالَّذِي يُشَاهَدُ بِعَيْنِ الْعَقْلِ بَاقٍ يُشَاهِدُهُ كُلُّ مَنْ جَاءَ بَعْدَ الْأَوَّلِ مُسْتَمِرًّا.
المصدر: فتح الباري ـ الحافظ ابن حجر العسقلاني 9/ 7.